كتبت أبها: نادية الفواز من جريدة الوطن السعودية بتاريخ الأحد 14 محرم 1430هـ الموافق 11 يناير 2009م العدد (3026) السنة التاسعة
احتفى الإسلام بالحياء فجعله "شعبة" من شُعب الإيمان. هذه حقيقة تبرزها نصوص دينية عديدة.. حقيقة أخرى مهمة هي أن المرأة بطبيعتها أكثر حياء وخجلا من الرجل.
فإذا انقلبت الأوضاع لنجد "حُمرة الخجل" تُطل على وجوه الشباب من "تصرفات" بعض الفتيات فإن الأمر يستدعي وقفة جادة، لمواجهة هذه القضية.
التصرفات التي "يتعجب" منها بعض الشباب عبارة عن تحرش ومعاكسات نسائية تشمل محاولات لمس الأيدي، أو الاتصالات الهاتفية، أو محاولات للفت الأنظار بوسائل أخرى عديدة.
علماء الاجتماع والصحة النفسية والدين وأساتذة الجامعات أجمعوا على ضرورة التصدي لتلك المظاهر بالحلول العلمية الناجعة. وأكدوا أن وراءها أسبابا عديدة منها: العنوسة، والبطالة، والجفاف العاطفي، ومشكلات الطلاق، وغياب الرقابة، وإهمال الأزواج لزوجاتهم.
وحذروا من أن ثقافة الفضائيات تُحرّض المرأة على مواجهة العنف النفسي والجسدي للرجل. وأوضحوا أن التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات شجعت المرأة على "مخاطبة" الرجل والدخول إلى العالم الذي كان مجهولا بالنسبة لها.
كما حذروا من انشعال المرأة عن أسرتها، وتزايد مهامها، وتوسع أنشطتها، الأمر الذي يؤثر سلبا على تربية أبنائها وبناتها.
وشددوا على أن المعاكسات حرام شرعا، وأن العلاج الناجع لها يكمن في التوعية الدائمة، والمراقبة الأسرية الجادة، والتربية الصحيحة.
ولكن السؤال يبقى مطروحا: هل المعاكسات النسائية للرجال.. ظاهرة استثنائية عابرة أم تمرد مقصود؟ وما الأسباب التي أدت إلى ظهورها؟ وما دور الأسرة ومؤسسات المجتمع المختلفة في مواجهتها للقضاء عليها، ووقاية المجتمع من مخاطرها؟..
في السطور التالية نتعرف على جوانب أخرى لهذه القضية، ونتوقف أمام الحلول والمعالجات التي يراها العلماء والخبراء وأساتذة الجامعات.
في البداية يؤكد "ع.م" ـ بائع بأحد محلات الإكسسوارات ـ أنه يتعرض من حين لآخر لمضايقات من الفتيات المراهقات.
ويشير إلى أنه تعرض لمواقف حرجة من بعض فتيات يقمن برفع غطاء الوجه، أو محاولة مسك يده في أثناء تقديمه أحد العطور، أو الإكسسوارات لهن.
ويقول: أشعر بالخجل من بعض التصرفات وأتعجب من طلب العديد من الفتيات رقم الجوال الخاص بي أو "كارت" المحل، موضحا أنه يتلقى العديد من المعاكسات الهاتفية من قبل الفتيات.
أما "ص. ن" ـ صاحب محل هدايا ـ فيجزم بأن المعاكسات النسائية لا تقتصر على الفتيات المراهقات، وإنما تشمل بعض المتزوجات أيضا.
ويقول: لا أنسى أنه في إحدى المرات طلبت فيها إحدى الزوجات من زوجها مغادرة المحل بحجة أنها تريد أن تختار له "هدية"، ثم فوجئتُ بها تحاول لمس يدي، وعندما أبعدت يدي خرجت وتركت الهدية بعد أن قمت بتغليفها.
ظاهرة غريبة
أحد المهندسين العاملين بأحد البرامج الإذاعية يرى أن المعاكسات الهاتفية، تستهدف محاولة بعض الفتيات التعرف على متلقي اتصالاتهن، وهي "ظاهرة معروفة" لدى كثيرين من مستقبلي المكالمات الذين يتلقون المعاكسات والغزل عبر الهاتف.
ويقول: لا يمكن أن أجد تفسيرا لتلك المحاولات سوى أن وراءها فراغا عاطفيا هائلا تعيشه بعض الفتيات أو المتزوجات اللاتي يشعرن بحاجتهن للكلمة الجميلة، والعبارات الرقيقة.
"ن. م" ـ أحد البائعين في محل "عبايات" ـ يؤكد أن أكثر الذين يتعرضون لذلك التحرش هم العاملون في بيع السلع التي تقبل عليها المرأة، مثل العطور، والملابس "الداخلية"، والعبايات، والإكسسوارات، والأحذية.
ويضيف أن هؤلاء يتعرضون بشكل يومي إلى معاكسات من قبل الفتيات، خاصة صغيرات السن والمراهقات، إضافة إلى بعض السيدات المتزوجات.
ويشير إلى أن العديد من البائعين يرددون قصص التحرش، ويتندرون بحكايات المعاكسات النسائية باعتبارها "ظاهرة غريبة" على المجتمع.
سوء المعاملة
"أمل. ك" ـ طالبة جامعية ـ توضح أن هناك فتيات يتجهن إلى المعاكسة كنوع من التعويض عن عواطف مكبوتة، وذلك بالذهاب إلى الأسواق أو الأماكن التي يوجد فيها الرجال، بحثا عن كلمة حب أو عاطفة، حتى لو كانت كاذبة.
وتشير إلى أن ذلك يحدث بصورة لافتة عند وجود مشاكل عنف أسري أو طلاق، أو إهمال من الأهل، أو تفرقة في المعاملة بين الفتاة وإخوانها الذكور، فكأنها تعاند وتنتقم بهذه التصرفات من أي تعسف، أو غبن في حقها.
أما "مها. ح" معلمة فتلمح إلى مسؤولية بعض الأزواج عن المعاكسات النسائية للرجال، مؤكدة أن بعض السيدات المتزوجات اللاتي يشاركن في تلك المعاكسات يفتقدن الاهتمام من أزواجهن، أو يعانين من سوء المعاملة.
وتلفت إلى أن كثيرا من الأزواج يحسنون الحديث مع الآخرين والأخريات خارج المنزل، ويتحول الواحد منهم إلى إنسان مختلف في منزله، فيسيء معاملة زوجته، أو يلتزم الصمت، ويعيش حالة جفاف عاطفي، الأمر الذي يجعل المرأة تتجه للبحث عمن يشبع احتياجها العاطفي للحب والحنان والأمان.
وتحذر من نمو ظاهرة خطيرة تتمثل في فتيات يتكسبن من معاكسة الشباب من خلال طلب الهدايا، وشرائح الجوال، والأموال وغير ذلك.
جفاف عاطفي
الدكتور أحمد الغامدي أستاذ علم النفس المساعد بجامعة الملك خالد يؤكد أن المشكلة تكمن في عدم الالتزام الانفعالي، وغياب الإشباع العاطفي الذي يمثل عاملا مهما وراء وقوع التحرش الجنسي من قبل المرأة.
ويقول: إن التفريغ النفسي والانفعالي من المرأة قد يكون مصحوبا بحقد أو كراهية نحو الرجل أو محاولة تعويض للنقص والجفاف العاطفي وملء الفراغ النفسي والحسي.
وقد يكون سعيا للانتقام من الرجل، والحد من تسلطه وقسوته، وسد حاجة الحرمان العاطفي والنفسي من خلال تقليد الأخريات.
ويُوضّح أن المرأة ترى وتسمع من الفضائيات ومن صديقاتها الكثير عن محاولات السيطرة على قلب الرجل، ورد الكراهية، ومواجهة التسلط والعنف النفسي والجسدي الواقع عليها من الرجل، فتتأثر بذلك كله، وربما تجد في تلك المعاكسات تعبيرا عن رفضها لما يصيبها من أذى.
تحوّل حضاري
الدكتور صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض يلفت إلى أن التحول الحضاري الذي شهدته المجتمعات العربية والعالم خلال الفترة الماضية كان له أثر كبير في خروج المرأة وانفتاحها على العالم، وذهابها للأسواق، وميدان العمل، وأتاح فرصة أكبر للاختلاط والتفاعل مع الرجل، مشيرا إلى أن هذا التفاعل لم يكن معهودا من قبل.
ويؤكد أن وسائل التكنولوجيا الحديثة ساهمت في تيسير الحوار بين الرجال والسيدات، والشباب والشابات عبر الجوال والبلوتوث والإنترنت، مشيرا إلى أن تلك التقنيات أعطت المرأة الجرأة في مخاطبة الرجل، والدخول إلى عالم كان مجهولا بالنسبة لها.
ويقول: إننا عادة ما نسمع اللوم يقع على الرجل في موضوع التحرش، أما المرأة فنادرا ما يعترف الرجل باقترابها منه، وتحرشها به.
ضعف الرقابة
ويُرجِع الدكتور الرميح تلك المظاهر إلى عدة أسباب مهمة، منها أن الفضائيات تؤثّر بشكل كبير على سلوك المرأة، وكذلك متابعتها للمسلسلات الخليجية، إضافة إلى ارتفاع نسبة العنوسة، وعدم وجود الشباب القادرين على تكاليف الزواج، وارتفاع المهور، وضعف الرقابة أو انعدامها، وإساءة استخدام الثقة، والتحرر من الخوف.
ويقول: إن هذه الحالة يمكن أن تحدث عند إلزام المرأة بالزواج من رجل لا يمثل نموذجا يرضيها، فيكون هذا التصرف ـ في نظرها ـ تعويضا عما تعانيه من تفكك أسري.
ويضيف أنه من تلك الأسباب زواج المرأة من رجل كبير السن لا تجد لديه ما تتوقعه وما تريده، فتبحث عن الرجل الذي يعوض هذا القصور، ومنها أيضا وجود مشكلات الطلاق.
ويمكن أن يرجع الأمر للغيرة من زوجة أخرى تطلعها على حياتها وتبرز لها جوانبها المثالية.. وقد تعجب المرأة بقوة شخصية رجل عند معاناتها من ضعف شخصية الزوج.. فجميع هذه الأسباب، أو أحدها، يمكن أن تكون وراء ظاهرة "تحرش المرأة" الذي تبحث من خلاله عن إشباع الحرمان، وتعويض القصور.
اضطرابات أسرية
أما الدكتورة حصة السبيعي عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس بكلية التربية بجامعة أم القرى، فتجزم بأن هناك عوامل كثيرة وراء ظاهرة التحرش والمعاكسات النسائية من أهمها عدم وجود النضج العاطفي والعقلي، والدفء الأسري والحضاري.
وتقول: إن المشكلة أصبحت تكمن في غياب توجيه الأسرة ورعايتها لأبنائها منذ الطفولة، إضافة إلى وجود خلل في التربية، وخروج المرأة للعمل، وكثرة الاضطرابات الأسرية، والعنف الأسري، والانفتاح الإعلامي على الفضائيات.
وتشدد على أن هذا الخلل يحتاج إلى حقبة من الزمن حتى نستطيع أن نتلافى نتائجه، موضحة أن التقليل من أثر الانفتاح على الفضائيات يحتاج إلى وقت، لأنها تشكل نقطة انبهار، ولها تأثير قوي على اتجاهات التفكير والعواطف، وعلى الأسرة والأبناء والمجتمع.
وتضيف أن خروج المرأة للعمل، وانشغالها عن أسرتها، وتزايد مهامها، وتوسيع أنشطتها يؤثر سلبا على تربية الأبناء والبنات، مشيرة إلى أن المشكلة ليست في عمل المرأة وإنما إهمالها لدورها في تطوير المجتمع، وتربية الأجيال، ومراقبة الأبناء والبنات في مواجهة ذلك الكم الهائل من أجهزة الاتصال.
ويشير زائري إلى أن المرأة تحاول أن تخرج من سجن المشكلات والهموم والقيود عن طريق مكالمة جوال، أو تعارف على الإنترنت، وكأنها تقول: "أنصفوني".
ويدعو إلى ضرورة تصحيح وضع المرأة، ومنحها جميع الحقوق، وفتح الأبواب والمجالات أمامها عبر العمل والثقة، لتتمكن من إثبات ذاتها في مختلف المجالات.
ويلفت إلى أن المرأة بذلك تنادي بأن يعاد تصحيح وضعها في المجتمع، ومنحها حقوقها المسلوبة في التعليم والعمل والزواج، ويطالب بوفاء العديد من الهيئات والمؤسسات بمسؤولياتها تجاه المرأة وحقوقها.
ويضيف أن حل الدولة لمشكلة البطاقة الوطنية خطوة كبيرة على طريق حصول المرأة على حقوقها، كما أنها خطوة رائدة لدعم المرأة، ومنحها الثقة كاملة بدلا من معاناتها بوجود مسؤول عنها.
..
احتفى الإسلام بالحياء فجعله "شعبة" من شُعب الإيمان. هذه حقيقة تبرزها نصوص دينية عديدة.. حقيقة أخرى مهمة هي أن المرأة بطبيعتها أكثر حياء وخجلا من الرجل.
فإذا انقلبت الأوضاع لنجد "حُمرة الخجل" تُطل على وجوه الشباب من "تصرفات" بعض الفتيات فإن الأمر يستدعي وقفة جادة، لمواجهة هذه القضية.
التصرفات التي "يتعجب" منها بعض الشباب عبارة عن تحرش ومعاكسات نسائية تشمل محاولات لمس الأيدي، أو الاتصالات الهاتفية، أو محاولات للفت الأنظار بوسائل أخرى عديدة.
علماء الاجتماع والصحة النفسية والدين وأساتذة الجامعات أجمعوا على ضرورة التصدي لتلك المظاهر بالحلول العلمية الناجعة. وأكدوا أن وراءها أسبابا عديدة منها: العنوسة، والبطالة، والجفاف العاطفي، ومشكلات الطلاق، وغياب الرقابة، وإهمال الأزواج لزوجاتهم.
وحذروا من أن ثقافة الفضائيات تُحرّض المرأة على مواجهة العنف النفسي والجسدي للرجل. وأوضحوا أن التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات شجعت المرأة على "مخاطبة" الرجل والدخول إلى العالم الذي كان مجهولا بالنسبة لها.
كما حذروا من انشعال المرأة عن أسرتها، وتزايد مهامها، وتوسع أنشطتها، الأمر الذي يؤثر سلبا على تربية أبنائها وبناتها.
وشددوا على أن المعاكسات حرام شرعا، وأن العلاج الناجع لها يكمن في التوعية الدائمة، والمراقبة الأسرية الجادة، والتربية الصحيحة.
ولكن السؤال يبقى مطروحا: هل المعاكسات النسائية للرجال.. ظاهرة استثنائية عابرة أم تمرد مقصود؟ وما الأسباب التي أدت إلى ظهورها؟ وما دور الأسرة ومؤسسات المجتمع المختلفة في مواجهتها للقضاء عليها، ووقاية المجتمع من مخاطرها؟..
في السطور التالية نتعرف على جوانب أخرى لهذه القضية، ونتوقف أمام الحلول والمعالجات التي يراها العلماء والخبراء وأساتذة الجامعات.
في البداية يؤكد "ع.م" ـ بائع بأحد محلات الإكسسوارات ـ أنه يتعرض من حين لآخر لمضايقات من الفتيات المراهقات.
ويشير إلى أنه تعرض لمواقف حرجة من بعض فتيات يقمن برفع غطاء الوجه، أو محاولة مسك يده في أثناء تقديمه أحد العطور، أو الإكسسوارات لهن.
ويقول: أشعر بالخجل من بعض التصرفات وأتعجب من طلب العديد من الفتيات رقم الجوال الخاص بي أو "كارت" المحل، موضحا أنه يتلقى العديد من المعاكسات الهاتفية من قبل الفتيات.
أما "ص. ن" ـ صاحب محل هدايا ـ فيجزم بأن المعاكسات النسائية لا تقتصر على الفتيات المراهقات، وإنما تشمل بعض المتزوجات أيضا.
ويقول: لا أنسى أنه في إحدى المرات طلبت فيها إحدى الزوجات من زوجها مغادرة المحل بحجة أنها تريد أن تختار له "هدية"، ثم فوجئتُ بها تحاول لمس يدي، وعندما أبعدت يدي خرجت وتركت الهدية بعد أن قمت بتغليفها.
ظاهرة غريبة
أحد المهندسين العاملين بأحد البرامج الإذاعية يرى أن المعاكسات الهاتفية، تستهدف محاولة بعض الفتيات التعرف على متلقي اتصالاتهن، وهي "ظاهرة معروفة" لدى كثيرين من مستقبلي المكالمات الذين يتلقون المعاكسات والغزل عبر الهاتف.
ويقول: لا يمكن أن أجد تفسيرا لتلك المحاولات سوى أن وراءها فراغا عاطفيا هائلا تعيشه بعض الفتيات أو المتزوجات اللاتي يشعرن بحاجتهن للكلمة الجميلة، والعبارات الرقيقة.
"ن. م" ـ أحد البائعين في محل "عبايات" ـ يؤكد أن أكثر الذين يتعرضون لذلك التحرش هم العاملون في بيع السلع التي تقبل عليها المرأة، مثل العطور، والملابس "الداخلية"، والعبايات، والإكسسوارات، والأحذية.
ويضيف أن هؤلاء يتعرضون بشكل يومي إلى معاكسات من قبل الفتيات، خاصة صغيرات السن والمراهقات، إضافة إلى بعض السيدات المتزوجات.
ويشير إلى أن العديد من البائعين يرددون قصص التحرش، ويتندرون بحكايات المعاكسات النسائية باعتبارها "ظاهرة غريبة" على المجتمع.
سوء المعاملة
"أمل. ك" ـ طالبة جامعية ـ توضح أن هناك فتيات يتجهن إلى المعاكسة كنوع من التعويض عن عواطف مكبوتة، وذلك بالذهاب إلى الأسواق أو الأماكن التي يوجد فيها الرجال، بحثا عن كلمة حب أو عاطفة، حتى لو كانت كاذبة.
وتشير إلى أن ذلك يحدث بصورة لافتة عند وجود مشاكل عنف أسري أو طلاق، أو إهمال من الأهل، أو تفرقة في المعاملة بين الفتاة وإخوانها الذكور، فكأنها تعاند وتنتقم بهذه التصرفات من أي تعسف، أو غبن في حقها.
أما "مها. ح" معلمة فتلمح إلى مسؤولية بعض الأزواج عن المعاكسات النسائية للرجال، مؤكدة أن بعض السيدات المتزوجات اللاتي يشاركن في تلك المعاكسات يفتقدن الاهتمام من أزواجهن، أو يعانين من سوء المعاملة.
وتلفت إلى أن كثيرا من الأزواج يحسنون الحديث مع الآخرين والأخريات خارج المنزل، ويتحول الواحد منهم إلى إنسان مختلف في منزله، فيسيء معاملة زوجته، أو يلتزم الصمت، ويعيش حالة جفاف عاطفي، الأمر الذي يجعل المرأة تتجه للبحث عمن يشبع احتياجها العاطفي للحب والحنان والأمان.
وتحذر من نمو ظاهرة خطيرة تتمثل في فتيات يتكسبن من معاكسة الشباب من خلال طلب الهدايا، وشرائح الجوال، والأموال وغير ذلك.
جفاف عاطفي
الدكتور أحمد الغامدي أستاذ علم النفس المساعد بجامعة الملك خالد يؤكد أن المشكلة تكمن في عدم الالتزام الانفعالي، وغياب الإشباع العاطفي الذي يمثل عاملا مهما وراء وقوع التحرش الجنسي من قبل المرأة.
ويقول: إن التفريغ النفسي والانفعالي من المرأة قد يكون مصحوبا بحقد أو كراهية نحو الرجل أو محاولة تعويض للنقص والجفاف العاطفي وملء الفراغ النفسي والحسي.
وقد يكون سعيا للانتقام من الرجل، والحد من تسلطه وقسوته، وسد حاجة الحرمان العاطفي والنفسي من خلال تقليد الأخريات.
ويُوضّح أن المرأة ترى وتسمع من الفضائيات ومن صديقاتها الكثير عن محاولات السيطرة على قلب الرجل، ورد الكراهية، ومواجهة التسلط والعنف النفسي والجسدي الواقع عليها من الرجل، فتتأثر بذلك كله، وربما تجد في تلك المعاكسات تعبيرا عن رفضها لما يصيبها من أذى.
تحوّل حضاري
الدكتور صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض يلفت إلى أن التحول الحضاري الذي شهدته المجتمعات العربية والعالم خلال الفترة الماضية كان له أثر كبير في خروج المرأة وانفتاحها على العالم، وذهابها للأسواق، وميدان العمل، وأتاح فرصة أكبر للاختلاط والتفاعل مع الرجل، مشيرا إلى أن هذا التفاعل لم يكن معهودا من قبل.
ويؤكد أن وسائل التكنولوجيا الحديثة ساهمت في تيسير الحوار بين الرجال والسيدات، والشباب والشابات عبر الجوال والبلوتوث والإنترنت، مشيرا إلى أن تلك التقنيات أعطت المرأة الجرأة في مخاطبة الرجل، والدخول إلى عالم كان مجهولا بالنسبة لها.
ويقول: إننا عادة ما نسمع اللوم يقع على الرجل في موضوع التحرش، أما المرأة فنادرا ما يعترف الرجل باقترابها منه، وتحرشها به.
ضعف الرقابة
ويُرجِع الدكتور الرميح تلك المظاهر إلى عدة أسباب مهمة، منها أن الفضائيات تؤثّر بشكل كبير على سلوك المرأة، وكذلك متابعتها للمسلسلات الخليجية، إضافة إلى ارتفاع نسبة العنوسة، وعدم وجود الشباب القادرين على تكاليف الزواج، وارتفاع المهور، وضعف الرقابة أو انعدامها، وإساءة استخدام الثقة، والتحرر من الخوف.
ويقول: إن هذه الحالة يمكن أن تحدث عند إلزام المرأة بالزواج من رجل لا يمثل نموذجا يرضيها، فيكون هذا التصرف ـ في نظرها ـ تعويضا عما تعانيه من تفكك أسري.
ويضيف أنه من تلك الأسباب زواج المرأة من رجل كبير السن لا تجد لديه ما تتوقعه وما تريده، فتبحث عن الرجل الذي يعوض هذا القصور، ومنها أيضا وجود مشكلات الطلاق.
ويمكن أن يرجع الأمر للغيرة من زوجة أخرى تطلعها على حياتها وتبرز لها جوانبها المثالية.. وقد تعجب المرأة بقوة شخصية رجل عند معاناتها من ضعف شخصية الزوج.. فجميع هذه الأسباب، أو أحدها، يمكن أن تكون وراء ظاهرة "تحرش المرأة" الذي تبحث من خلاله عن إشباع الحرمان، وتعويض القصور.
اضطرابات أسرية
أما الدكتورة حصة السبيعي عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس بكلية التربية بجامعة أم القرى، فتجزم بأن هناك عوامل كثيرة وراء ظاهرة التحرش والمعاكسات النسائية من أهمها عدم وجود النضج العاطفي والعقلي، والدفء الأسري والحضاري.
وتقول: إن المشكلة أصبحت تكمن في غياب توجيه الأسرة ورعايتها لأبنائها منذ الطفولة، إضافة إلى وجود خلل في التربية، وخروج المرأة للعمل، وكثرة الاضطرابات الأسرية، والعنف الأسري، والانفتاح الإعلامي على الفضائيات.
وتشدد على أن هذا الخلل يحتاج إلى حقبة من الزمن حتى نستطيع أن نتلافى نتائجه، موضحة أن التقليل من أثر الانفتاح على الفضائيات يحتاج إلى وقت، لأنها تشكل نقطة انبهار، ولها تأثير قوي على اتجاهات التفكير والعواطف، وعلى الأسرة والأبناء والمجتمع.
وتضيف أن خروج المرأة للعمل، وانشغالها عن أسرتها، وتزايد مهامها، وتوسيع أنشطتها يؤثر سلبا على تربية الأبناء والبنات، مشيرة إلى أن المشكلة ليست في عمل المرأة وإنما إهمالها لدورها في تطوير المجتمع، وتربية الأجيال، ومراقبة الأبناء والبنات في مواجهة ذلك الكم الهائل من أجهزة الاتصال.
ويشير زائري إلى أن المرأة تحاول أن تخرج من سجن المشكلات والهموم والقيود عن طريق مكالمة جوال، أو تعارف على الإنترنت، وكأنها تقول: "أنصفوني".
ويدعو إلى ضرورة تصحيح وضع المرأة، ومنحها جميع الحقوق، وفتح الأبواب والمجالات أمامها عبر العمل والثقة، لتتمكن من إثبات ذاتها في مختلف المجالات.
ويلفت إلى أن المرأة بذلك تنادي بأن يعاد تصحيح وضعها في المجتمع، ومنحها حقوقها المسلوبة في التعليم والعمل والزواج، ويطالب بوفاء العديد من الهيئات والمؤسسات بمسؤولياتها تجاه المرأة وحقوقها.
ويضيف أن حل الدولة لمشكلة البطاقة الوطنية خطوة كبيرة على طريق حصول المرأة على حقوقها، كما أنها خطوة رائدة لدعم المرأة، ومنحها الثقة كاملة بدلا من معاناتها بوجود مسؤول عنها.
..