على اسرة الشفاء بغزّة .. قصص ومأسي
وائل ابو دقة مراسلنا من فلسطين المحتلة
مستشفى الشفاء بمدينة غزّة المشفى الأكبر في القطاع امتلأ منذ اليوم الأول للعدوان بقصص ومآس ربما تعجز الألسنة عن سردها لكن كلام العيون ابلغ ألف مرة.
خلال التجول في مشفى الشفاء تلحظ نظرات حائرة وأخرى متسائلة وثالثة مصدومة في كل ركن من أروقة المشفى، عددا من الجرحى على أسرة الشفاء فقدوا عوائلهم وبقوا وحيدين ليشهدوا على جرائم ومجازر العدو الصهيوني
أميرة القرم 15 عاما كانت ممددة على أحد أسرة الشفاء في قسم العظام بالمشفى قالت "أصبت في قدمي إصابة بالغة حينما أطلقت نحوي قذيفة دبابة صهيونية" أثناء الاجتياح الذي نفذته الآليات العسكرية لمنطقة تل الإسلام(الهوى سابقا) غرب مدينة غزّة.
وتضيف " اشعر الآن بتحسن كبير بعد إجراء العملية، ولكنى لا أعلم حتى اللحظة هل سأتمكن من السير على قدمي أم ستكون الإعاقة مصيري خاصة أن القذيفة أصابت قدمي مباشرة ".
ولأميرة قصة غريبة حدثتنا عنها فقالت: " كنت أنا ووالدي وشقيقتي وشقيقي في منزلنا فى منطقة تل الهوى حينما بدأت عملية الاجتياح لهذه المنطقة. وبدأت الدبابات بإطلاق قذائفها تجاه منازل المواطنين فأصابت أحداها منزلنا الواقع بالقرب من كلية المجتمع ".
وتابعت " اضطررنا بعدها إلى مغادرة منزلنا على وجه السرعة، فخرجنا من باب المنزل فعاجلت قذيفة دبابة والدي وشقيقتي عصمت (16 عاما) وشقيقي علاء الذي يصغرني بعام، فامتلأ المكان بالغبار، ولم أتمكن من رؤيتهم، وهم يسقطون شهداء بالقرب من باب المنزل فيما استمرت القذائف تنهال على المنطقة من كل مكان.
وأضافت " حاولت الاحتماء من القذائف المنهمرة ولكن بلا جدوى، فقد أصابت إحدى الشظايا قدمي، وبعدها قررت مغادرة المنطقة. واصلت المشي رغم إصابتي وتعبي الشديد. توجهت إلى أحد منازل أقربائي، ولكن يبدو أنه مع شدة القصف وشدة الألم ضللت الطريق. تابعت المشي حتى وصلت إلى أحد المنازل، وقد وجدت الباب مفتوحا، فدخلت فيه، وارتميت على أحد الأسرة الموجودة وأنا انزف بشدة.
وبعد يومين من وجودها في المنزل توجه صاحب المنزل، وهو مراسل تلفزيون المنار الزميل عماد عيد، إلى منزله لتفقده من آثار الدمار، فوجد أميرة وحولها بركة من الدم، وحينما رأته اعتذرت منه، وقالت له "إنني آسفة وجدت باب منزلك مفتوحا فدخلت لإحتماء به".
وتابعت " نقلني الصحفي عماد عيد إلى المشفى، وكان قد عرف أن أهلي استشهدوا، ولم يبق لي سوى والدتي التي لم تكن تعرف عنا شيئا، فناشد عبر الإذاعات المحلية والدتي بالتوجه إلى مشفى الشفاء ".
وتتابع والدة أميرة " حينما سمعت النبأ توجهت مباشرة إلى المشفى لأجد ابنتي في هذه الحالة وعرفت في حينه أن ابنتي وابني وزوجي قد استشهدوا جميعا ".
وتضيف " ابنتي تعاني الآن بسبب فقدانها لوالدها وأشقائها أمام أعينها فهي قليلة الكلام ولا تحب الحديث كثيرا ودائمة البكاء، وسأبقى معها حتى تسترد عافيتها بالكامل ".
ويقول الدكتور معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة الفلسطينية إن عدد الشهداء جراء العملية العسكرية منذ بدايتها في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي بلغ 1326 شهيدا، وعدد الجرحى 5450 مصابا، من بينهم 417 طفلا و108 سيدات و120 مسنا و14 من طواقم الإسعاف والدفاع المدني و4 صحفيين وخمسة من الأجانب.
وفى غرفة أخرى من غرف المشفى المليء عن أخره تمددت بيسان السلاق ذات التسعة أعوام والتف أشقاؤها وأعمامها ووالدها حولها وابتسامتها اللطيفة زينت وجهها الأسمر رغم الآلام التي تشعر بها.
بدأت بيسان حديثها " أريد أن اطلب من جميع زعماء العالم أن يمنعوا الاحتلال أن يفعل بنا ذلك مرة أخرى، فنحن نحب الحياة ونريد أن نعيش كباقي الأطفال في هذه الأرض.. نحن لا نحب الموت أو الحروب كما يعتقدون. نريد أن نحلم أحلاما جميلة ولا نريد أن ننام ونصحو على أصوات القصف.
بيسان أصيبت بشظية أدت إلى تهتك في كثير من أعضاء جسمها في الحجاب الحاجز والكلى والمعدة، وأجريت لها عمليات جراحية استمرت 7 ساعات متواصلة حتى تمكنت الأطقم الطبية من إنقاذ حياتها.
تستذكر أم واصف - والدة بيسان - ما حدث معهم أثناء الحرب فتقول: " مع اشتداد الحرب في منطقة تل الهوى قررنا أنا وزوجي أن نترك منزلنا ونأخذ أطفالنا والتوجه إلى أحد الأقارب ويقطن في برج فلسطين - وسط مدينة غزّة - وحينما تمكنا من الخروج من المنطقة ووصلنا إلى البرج أطلقت على البرج قذيفة ما أدى إلى إصابة بيسان إصابة خطيرة ".
وتضيف " نقلت بيسان إلى المشفى، وأجريت لها جراحة عاجلة، ولكن لا زالت حالتها حرجة، لأن بعض الشظايا لا زالت داخل جسدها ولم تتمكن الأطقم الطبية من إخراجها ".
احمد شقيق بيسان 11 سنة قال: " أصبت بصدمة كبيرة حينما رأيت شقيقتي وهي مصابة، وأصبحت أتساءل بشكل دائم: ما الذي فعلناه نحن الأطفال في غزّة ليحدث لنا كل ذلك"، موضحا أنه بات يكره أن يشاهد التلفاز حتى لا ينظر إلى مشاهد الخراب والدمار وجثث الأطفال التي تنقلها الفضائيات، وقال "كنت أخشى أن تموت شقيقتي وأن أرى جثتها على التلفاز كما أرى الأطفال ".
وبين انه لا يفكر بالعودة إلى المدرسة في الوقت الحالي، خشية أن يكون أحد زملائه أو أصدقائه في المدرسة قد استشهد أو تعرض لإصابة، لأن ذلك سيؤثر به كثيرا ولن يستطيع تحمله.
الطفل فرج صالح 8 أعوام " أصيب إصابة بالغة بقذيفة مدفعية أدت إلى تهتك كامل في أحشائه ما أدى إلى استبدالها بأخرى بلاستيكية بعد إجراء العملية الجراحية الأولية له.
يقول فرج " المدفعية الصهيونية استهدفتني أنا وإخوتي الثلاثة ووالدتي حينما كنا نهم بالخروج من منزلنا إلى منزل عمى المجاور فأصيب شقيقي احمد وشقيقتي وأنا أيضا أصبت بجراح خطيرة ".
فرج لا يعلم حتى اللحظة أن أخويه أحمد وفوزية قد استشهدا لأن والدته ووالده لم يخبراه بالأمر بسبب حالته الصحية. وقال الوالد وعلامات الصدمة والحسرة على وجهه: " لم استطع إخباره أن أخويه استشهدا.. فقط أبلغته أنهما أصيبا وأنهما يرقدان في غرفة قريبة منه وسيأتيان لزيارته حالما يسمح الأطباء بذلك ".
ويتساءل الأب " ما الذي حل بنا فقدت اثنين من أبنائي في لحظات، والباقي يرقد في المشفى والموت يتهددهم ولا أدرى ماذا افعل وما الذي اقترفناه ليحل بنا كل هذا ".
الحرب الصهيونية على قطاع غزّة خلفت قصصا وحكايات إنسانية مروعة تحدث عنها الأطفال قبل الكبار ونقشت في ذاكرتهم ولن تمحوها الأيام.