يوسف
الطيور المخيفة
الطيور المخيفة
قال تعالى:{ ودخل معه السجن فتيان, قال أحدهما اني أراني أعصر خمرا, وقال الآخر اني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه, نبئنا بتأويله, انا نراك من المحسنين}
1. في البدء كلمة
الأنبياء عباد الله, خصّهم ربّهم بمكانة عظيمة, ومنزلة رفيعة, فزيّن لهم فعل الخيرات, لأنهم كانوا من عباده المخلصين, وجعل الله لكل نبي معجزة أو معجزات لا تكون لبشر غيرهم, ومنهم يوسف عليه السلام الذي أصابه اضطهاد اخوانه وأشقائه فحاولوا التخلص منه, ولكن الله كان له خير حافظ والله أرحم الراحمين.
وقد اختص الله عز وجل يوسف بالرؤيا الصادقة التي تحدثت عن أحداث كثيرة قبل وقوعها, فكانت رؤياه وحلمه وهو نائم معجزة,وكان تفسيره للأحلام معجزة كبيرة تدل على ما اختصه ربه به من معجزات عظيمة ما زلنا نسمعها وتصيبنا بالدهشة فنسبح بحمد الله القادر على كل شيء لأنه سبحانه عز وجل ليس كمثله شيء.
2. يوسف في السجن
منذ أن خرج يوسف من البئر ومضى مع بعض الناس الذين باعوه لوزير من وزراء مصر اسمه العزيز ومنذ هذا اليوم ويوسف يعيش عيشة هانئة راضية يحبه أهل هذا البيت, فهو في دار العزيز أحد وجهاء مصر وامرأته "زليخة" بنت أخت الملك الريان بن الوليد ملك مصر.
نشأ يوسف نشأة عظيمة وأصبح شابا جميلا, بديع الجمال والبهاء مما جعل النساء ينظرن الى جماله وبهائه, وكان ممن نظر اليه زليخة امرأة العزيز, وحاولت أن تجعله خائنا لسيّده العزيز ولكن يوسف نبي من سلالة الأنبياء, عصمه ربه وحماه من الفاحشة, ومن مكر النساء, فهو سيّد النجباء, والسبعة الأتقياء الذين قال عنهم الرسول محمد خاتم الأنبياء:
"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الاه ظله:
امام عادل
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عينينه
ورجل قلبه معلق بالمساجد اذا خرج منه حتى يعود اليه
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقته يمينه
وشاب نشأ في عبادة الله
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني أخاف الله.
رواه البخاري في صحيحه10\36\660, ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد.
لما كان يوسف أحد هؤلاء السبعة الذين تحدث عنهم رسول الله فقد رفض خيانة سيده العزيز, وعصى أمر زوجته "زليخة" وقال لها منكرا ما تريد:{ معاذ الله انه ربي} يقصد زوجها صاحب المنزل, ثم استكمل يوسف حديثه فقال: انه أحسن الي وأكرم مقامي عنده وفي فعلي هذا الذي تدعينني له ظلم,{ انه ربي أحسن مثواي لكنه لا يفلح الظالمون}.
حاولت امرأة العزيز أن تجعل من يوسف الطاهر الطيّب, فاحشا خائنا ولكنها فشلت, وخرج يوسف من دارها هاربا مسرعا, ولما عاد صاحب الدار وهو زوجها اشتكت له مرّ الشكوى ووصفت يوسف بأنه خائن فاحش, زورا وبهتانا, واتهمته بالباطل, ولكن الرجل لم يصدق هذا الاتهام وحقق مع يوسف, وثبتت براءته, ولكنها لم توقف كيدها ليوسف عليه السلام, وخاصة أن نساء المدينة تحدثوا عنها وعن يوسف فأصابها غيظ شديد, وخاصة أنهن نساء الأمراء والكبراء, فقد طعنوا فيها وعابوا عليها, وشنعوا بها.
علمت بمكرهن وسمعت به, فأرادت أن تثبت لهن عذرها وأنهن لو شاهدن يوسف وما عليه من جمال لفعلوا مثل ما فعلت, ففكرت في حيلة تثبت من خلالها صدق ما فعلت, كي يعذرها النسوة, لأنها متأكدة من أن ما عليه هذا النبي الكريم يجعل الفتنة في قلوب النساء, فأرسلت لهن دعوة للغداء جامعة في منزلها, وأعدّت لهن مجلسا مريحا جميلا, وضيافة رائعة, وأحضرت من جملة ما أحضرت من الطعام وأدواته سكاكين يقطعن بها فاكهة وطعاما, وآتت كل واحدة منهم سكينا, وهيأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب, وكان في ريعان شبابه مليئا بكل تقاسيم الجمال, وأمرته ان يخرج عليهن وهو بكامل زينته وجماله فخرج عليهن وهو بدر في جماله, وروعة في ثيابه وشبابه.
فلما رأته النساء وهن في مجلس زليخا أعظمنه وأجللنه, وأخذتهن الهيبة والدهشة من فرط جماله وحسنه, وجعلت النسوة يقطعن أيديهن بالسكاكين ولا يشعرن بالجراح الاتي أصابتهن من يوسف وقد وصف القرآن الكريم هذا المشهد فجاءت الآيات تقول:
{فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشى له ما هذا بشر ان هذا الا ملك كريم}.
وقالت زليخا للنساء:{ فذلكن الذي لمتنني فيه} فعذرت النساء زليخا التي مدحت يوسف ووصفته بالطهارة والعفة, ولكن يوسف لم يستمع الى حديثهن ودعوتهن له الى طاعة سيدته, وقد هددته زليخا بادخاله السجن ان لم يكن لها من الطائعين, وقالت:{ لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين}.
استجار يوسف بربه ودعاه دعاء خالصا, بأن يخلصه من بين أيدي النساء, وقال في هذا الدعاء:{ قال رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين}. يوسف 33.
يتبع >>>>>>>