العصا والحيّة
قال تعالى:
{ وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى* قال ألقها يا موسى* فألقاها فاذا هي حيّة تسعى* قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}. طه 17-21.
1. بداية المعجزات
ازدحمت قصة موسى عليه السلام بالمعجزات, ولعل سبب كل هذا ما كان عليه اليهود من تعنّت وكبرياء, وقد بدأت المعجزات في قصة موسى عليه السلام مع بدء حياته وفي طفولته, فها هو فرعون قد اتخذ قرارا بقتل كل طفل ينجب من بني اسرائيل, ولكن ارادة الله انصرفت لنجاة موسى بل وأن ينمو ويترعرع في قصر فرعون ذاته.
كان ذلك عندما خافت أم موسى على ولدها من الذبح اذا علم فرعون بوجوده, فألهمها الله أن تضع صندوقا وتلقيه في النهر أو في البحر, وظل الصندوق يحمل موسى وتتلاطمه الأمواج حتى وصل الى شاطئ تحت القصر لتراه آسيا زوجة فرعون وتطلب من زوجها أن يبقيه لهم يستمتعون بتربيته ليملأ عليهم دنياهم.
واستمرّت المعجزة لتكمل مسيرة موسى عليه السلام, فها هي أم موسى خائفة والهة على ابنها فأراد الله أن يطمئن قلبها, فألهمها القوة والصبر حتى يجمعها بابنها الذي أصبح عائما في النهر, تراقبه أخته خوفا عليه, وقد كادت أن تصرخ أو تفقد تماسكها لولا مشيئة الله أن تكون قوية شجاعة في ذلك الموقف.
فرحت آسيا بوصول هذا الطفل الجميل الى قصرها وموافقة زوجها فرعون على الابقاء عليه والعدول عن فكرة قتله شأنه شأن أطفال بني اسرائيل, وبقيت أم موسى حزينة باكية, فلم تكد ترمي موسى في نهر النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها خلفه, وظلت تتابع الصندوق الذي يحمل وليدها حتى غاب عن عينها واختفت أخباره. طلع الصباح على أم موسى فاذا قلبها فارغ يذوب حزنا عليه, وكادت تفقد صوابها وتبدي ولهها على وليدها الفقيد, لولا أن الله عز وجل ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها, فهدأت واستكانت واطمأنت, وتركت أمر ابنها الى الله عز وجل, وأمرت ابنتها أن تذهب بهدوء الى جوار قصر فرعون وتحاول أن تعرف أخبار أخيها موسى عليه السلام, وحذرتها من أن يشعر أحد بأنها تتجسس عليهم.
ورفض موسى كل المرضعات, وأوقف قبوله للرضاعة على ثدي أمه!! أليست هذه معجزة كبرى بدأ بها موسى حياته؟!
وقد تحدث القرآن الكريم على طفولة موسى عليه السلام فقال عز وجل:
{ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا, ان كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين* وقالت لأخته قصّيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون* وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}. القصص 10-12.
وكان وعد الله حقا, وأصبحت أم موسى عليه السلام مرضعة لابنها دون أن يشعر فرعون أو أحد من قصره, وكانت تتردد كل يوم علىالقصر فتسعد نفسها ويهدأ فؤادها, وتقرّ عينها برؤية ابنها بعد ارضاعه والتمتع بلذة الأمومة, وقد وصف القرآن هذه المعجزة فقال عز وجل:
{ فرددناه الى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}. القصص 13.
كان موسى عليه السلام موضع حب الجميع, فكان لا يراه أحد الا أحبّه وهذا من الله عز وجل اذ قال جلّ شأنه:
{ وألقيت عليك محبة من عندي ولتصنع على عيني}. طه 39.
كبر موسى وترعرع, وأصبح فتيا شابا وتعلم علوما كثيرة, وعلم أنه ليس ابنا لفرعون, وكان يرى اضطهاد فرعون ورجاله وأتباعه لبني اسرائيل, ودخل المدينة على حين غفلة ذات يوم, فوجد رجلا من أتباع فرعون يقتتل مع رجل من بني اسرائيل, واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل ووكز الرجل الظالم بيده فوقع قتيلا, فقد كان موسى قويا لدرجة أن اذا ضرب خصمه ضربة واحدة فانه يقتله. ولم يقصد موسى قتل ذلك الرجل, وكان موته مفاجأة مزعجة له لدرجة أنه قال:{ هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين} ودعا موسى ربه..قال:{ رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي}.
وغفر الله تعالى له, انه هو الغفور الرحيم.
وبعد أيام قليلة جاء قريبه هذا الذي قتل من أجله أحد أقارب فرعون, جاء يستنجد به في معركة أخرى مع رجل آخر, فأدرك موسى أنه من هواة المشاجرات والمعارك, فصرخ به موسى قائلا:{ انك لغويّ مبين} واندفع نحوه فخاف الرجل منه واعتقد أنه سيبطش به كما بطش بعدوّه بالأمس فقال مسترحما موسى:{ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد الا أن تكون جبّارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}.
بهذه الكلمات كشف الرجل المصري سرا كان يبحث عنه جنود فرعون, فلم يكن قد عرف بعد قاتل الرجل, وأصبح موسى خائفا يترقب خطرا قد يلحق به وهو في المدينة, وأرسل الله عز وجل لموسى رجلا مصريا عاقلا ينصحه ويحذره, وقد أطلعنا القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى:{ فلمّا أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس, ان تريد الا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } القصص 19.
خرج موسى من المدينة ودعا ربّه:{ ربّ نجّني من القوم الظالمين}.
سافر موسى الى مدين وجلس عند بئرها الرئيسي الضخم, وجاء الرجال الأقوياء يسقون أغنامهم. كان موسى متعبا من السفر, جائعا لم يأكل شيئا منذ فترة, أحسّ أنه فقير غريب, هارب من بطش فرعون وقومه بسبب ما أصابه في المدينة, دعا ربه وهو جالس تحت الشجرة بالقرب من البئر قائلا:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}. القصص 24.
في هذا الوقت لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم, ووجد امرأتين تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم القوم, فشعر موسى عليه السلام أن الفتاتين بحاجة الى المساعدة, تقدّم منهما وسأل ان كان يستطيع أن يساعدهما بشيء.. فقالت الفتاة الكبرى:
نحن ننتظر حتى ينتهي الرعاة من سقي غنهم لنسقي.
فقال موسى: ولماذ لا تسقيان معهم؟
فقالت الصغرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال كما ترى!!
نظر اليهما موسى في دهشة لأنهما ترعيان الغنم.. وهذه مهنة يجب أن يعمل بها الرجال, لأنها شاقة متعبة, وسأل موسى عليه السلام مرة أخرى: لماذا ترعيان الغنم؟
فأجابت الصغرى أيضا قائلة: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج معنا كل يوم.
عندئذ تقدم موسى عليه السلام في شهامة الرجال وقال:
سأسقي لكما.
مشى موسى وخلفه الفتاتان وأمامه الغنم, حتى وصل الى بئر مدين وهناك عند البئر اكتشف أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر صخرة ضخمة لا يستطيع أن بحرّكها الا عشرة رجال, وعلى الفور احتضن موسى الصخرة ورفعها من فم البئر, وسط دهشة الفتاتين اللتين شاهدتا عروق رقبته ويديه قد انتفخت بشدّة عند رفعه للصخرة الضخمة, لقد كان موسى رجلا قويا, منحه الله قوة هي بمقاييس عصره معجزة, وسقى عليه السلام الغنم وأعاد الصخرة مكانها وتركهما تمضيان الى حال سبيلهما ثم عاد الى الشجرة التي كان يجلس تحتها من قبل, ورفع يده بالدعاء المشهور عنه فقال مرّة أخرى:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}.
يتبع >>>>>>>
قال تعالى:
{ وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى* قال ألقها يا موسى* فألقاها فاذا هي حيّة تسعى* قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}. طه 17-21.
1. بداية المعجزات
ازدحمت قصة موسى عليه السلام بالمعجزات, ولعل سبب كل هذا ما كان عليه اليهود من تعنّت وكبرياء, وقد بدأت المعجزات في قصة موسى عليه السلام مع بدء حياته وفي طفولته, فها هو فرعون قد اتخذ قرارا بقتل كل طفل ينجب من بني اسرائيل, ولكن ارادة الله انصرفت لنجاة موسى بل وأن ينمو ويترعرع في قصر فرعون ذاته.
كان ذلك عندما خافت أم موسى على ولدها من الذبح اذا علم فرعون بوجوده, فألهمها الله أن تضع صندوقا وتلقيه في النهر أو في البحر, وظل الصندوق يحمل موسى وتتلاطمه الأمواج حتى وصل الى شاطئ تحت القصر لتراه آسيا زوجة فرعون وتطلب من زوجها أن يبقيه لهم يستمتعون بتربيته ليملأ عليهم دنياهم.
واستمرّت المعجزة لتكمل مسيرة موسى عليه السلام, فها هي أم موسى خائفة والهة على ابنها فأراد الله أن يطمئن قلبها, فألهمها القوة والصبر حتى يجمعها بابنها الذي أصبح عائما في النهر, تراقبه أخته خوفا عليه, وقد كادت أن تصرخ أو تفقد تماسكها لولا مشيئة الله أن تكون قوية شجاعة في ذلك الموقف.
فرحت آسيا بوصول هذا الطفل الجميل الى قصرها وموافقة زوجها فرعون على الابقاء عليه والعدول عن فكرة قتله شأنه شأن أطفال بني اسرائيل, وبقيت أم موسى حزينة باكية, فلم تكد ترمي موسى في نهر النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها خلفه, وظلت تتابع الصندوق الذي يحمل وليدها حتى غاب عن عينها واختفت أخباره. طلع الصباح على أم موسى فاذا قلبها فارغ يذوب حزنا عليه, وكادت تفقد صوابها وتبدي ولهها على وليدها الفقيد, لولا أن الله عز وجل ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها, فهدأت واستكانت واطمأنت, وتركت أمر ابنها الى الله عز وجل, وأمرت ابنتها أن تذهب بهدوء الى جوار قصر فرعون وتحاول أن تعرف أخبار أخيها موسى عليه السلام, وحذرتها من أن يشعر أحد بأنها تتجسس عليهم.
ورفض موسى كل المرضعات, وأوقف قبوله للرضاعة على ثدي أمه!! أليست هذه معجزة كبرى بدأ بها موسى حياته؟!
وقد تحدث القرآن الكريم على طفولة موسى عليه السلام فقال عز وجل:
{ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا, ان كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين* وقالت لأخته قصّيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون* وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}. القصص 10-12.
وكان وعد الله حقا, وأصبحت أم موسى عليه السلام مرضعة لابنها دون أن يشعر فرعون أو أحد من قصره, وكانت تتردد كل يوم علىالقصر فتسعد نفسها ويهدأ فؤادها, وتقرّ عينها برؤية ابنها بعد ارضاعه والتمتع بلذة الأمومة, وقد وصف القرآن هذه المعجزة فقال عز وجل:
{ فرددناه الى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}. القصص 13.
كان موسى عليه السلام موضع حب الجميع, فكان لا يراه أحد الا أحبّه وهذا من الله عز وجل اذ قال جلّ شأنه:
{ وألقيت عليك محبة من عندي ولتصنع على عيني}. طه 39.
كبر موسى وترعرع, وأصبح فتيا شابا وتعلم علوما كثيرة, وعلم أنه ليس ابنا لفرعون, وكان يرى اضطهاد فرعون ورجاله وأتباعه لبني اسرائيل, ودخل المدينة على حين غفلة ذات يوم, فوجد رجلا من أتباع فرعون يقتتل مع رجل من بني اسرائيل, واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل ووكز الرجل الظالم بيده فوقع قتيلا, فقد كان موسى قويا لدرجة أن اذا ضرب خصمه ضربة واحدة فانه يقتله. ولم يقصد موسى قتل ذلك الرجل, وكان موته مفاجأة مزعجة له لدرجة أنه قال:{ هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين} ودعا موسى ربه..قال:{ رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي}.
وغفر الله تعالى له, انه هو الغفور الرحيم.
وبعد أيام قليلة جاء قريبه هذا الذي قتل من أجله أحد أقارب فرعون, جاء يستنجد به في معركة أخرى مع رجل آخر, فأدرك موسى أنه من هواة المشاجرات والمعارك, فصرخ به موسى قائلا:{ انك لغويّ مبين} واندفع نحوه فخاف الرجل منه واعتقد أنه سيبطش به كما بطش بعدوّه بالأمس فقال مسترحما موسى:{ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد الا أن تكون جبّارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}.
بهذه الكلمات كشف الرجل المصري سرا كان يبحث عنه جنود فرعون, فلم يكن قد عرف بعد قاتل الرجل, وأصبح موسى خائفا يترقب خطرا قد يلحق به وهو في المدينة, وأرسل الله عز وجل لموسى رجلا مصريا عاقلا ينصحه ويحذره, وقد أطلعنا القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى:{ فلمّا أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس, ان تريد الا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } القصص 19.
خرج موسى من المدينة ودعا ربّه:{ ربّ نجّني من القوم الظالمين}.
سافر موسى الى مدين وجلس عند بئرها الرئيسي الضخم, وجاء الرجال الأقوياء يسقون أغنامهم. كان موسى متعبا من السفر, جائعا لم يأكل شيئا منذ فترة, أحسّ أنه فقير غريب, هارب من بطش فرعون وقومه بسبب ما أصابه في المدينة, دعا ربه وهو جالس تحت الشجرة بالقرب من البئر قائلا:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}. القصص 24.
في هذا الوقت لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم, ووجد امرأتين تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم القوم, فشعر موسى عليه السلام أن الفتاتين بحاجة الى المساعدة, تقدّم منهما وسأل ان كان يستطيع أن يساعدهما بشيء.. فقالت الفتاة الكبرى:
نحن ننتظر حتى ينتهي الرعاة من سقي غنهم لنسقي.
فقال موسى: ولماذ لا تسقيان معهم؟
فقالت الصغرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال كما ترى!!
نظر اليهما موسى في دهشة لأنهما ترعيان الغنم.. وهذه مهنة يجب أن يعمل بها الرجال, لأنها شاقة متعبة, وسأل موسى عليه السلام مرة أخرى: لماذا ترعيان الغنم؟
فأجابت الصغرى أيضا قائلة: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج معنا كل يوم.
عندئذ تقدم موسى عليه السلام في شهامة الرجال وقال:
سأسقي لكما.
مشى موسى وخلفه الفتاتان وأمامه الغنم, حتى وصل الى بئر مدين وهناك عند البئر اكتشف أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر صخرة ضخمة لا يستطيع أن بحرّكها الا عشرة رجال, وعلى الفور احتضن موسى الصخرة ورفعها من فم البئر, وسط دهشة الفتاتين اللتين شاهدتا عروق رقبته ويديه قد انتفخت بشدّة عند رفعه للصخرة الضخمة, لقد كان موسى رجلا قويا, منحه الله قوة هي بمقاييس عصره معجزة, وسقى عليه السلام الغنم وأعاد الصخرة مكانها وتركهما تمضيان الى حال سبيلهما ثم عاد الى الشجرة التي كان يجلس تحتها من قبل, ورفع يده بالدعاء المشهور عنه فقال مرّة أخرى:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}.
يتبع >>>>>>>